مصادرة الاراضي الفلسطينية وتجريفها‬‎
احمد .. 9 سنوات , وطفولة عَمدها الحصار

السبت، 16 يناير 2010

حُرَّاس الطائفية

نصري الصايغ


خطاب القسم شدد على تنفيذ اتفاق الطائف لجهة الغاء الطائفية السياسية، فاستبشر العلمانيون واللاطائفيون خيراً، ثم ساد صمت رئاسي، تحوّل فيه المطلب من تنفيذ الطائف إلى ضرورة تعديله، لجهة صلاحيات الرئاسة.
انتهت البشارة باكراً. استقالت الرئاسة واستقرت في الطائف «كيفما كان».
فور انتهاء الانتخابات الطائفية/ المذهبية/ القبلية/ العشائرية/ العائلية/، أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري عن نيته بتنفيذ النص الدستوري الملزم، لجهة إنشاء هيئة وطنية عليا لإلغاء الطائفية السياسية، ولم يصمت.
قيل، والقول أعمى، إن دعوة بري رد على مطلب رئيس الجمهورية، تعديل صلاحيات الرؤساء الثلاثة. وقيل، والأقوال فالتة من عقولها وعقالها، ان زعيما لطائفة، كيف يمكن تصديق دعوته لإلغاء الطائفية. هذا خلف منطقي، ومحال سياسي، واستغباء لعقول الناس. وقيل الكثير والنتيجة واحدة: حراس الطائفية المسعورون، لن يعدموا وسيلة للتشهير بالداعي والدعوة والمدعوين، بألف وسيلة ووسيلة. وكل وسائلهم المدوية تفيد شيئا واحداً وحيداً أحداً: لا لإلغاء الطائفية السياسية والطائفية عموما، ولو أدى ذلك إلى خراب الهيكل اللبناني المتداعي، مراراً تلو مرار، وإلى أبد الآبدين اللبنانية.
يحلف الرئيس بري، أنه لن يتخلى عن هذا المطلب، لكنه يتخلى عن الحسم في التأكيد، على أن الهدف: هو الغاء الطائفية، إذ يمكن، «للمؤتلفة قلوبهم طائفياً»، أن يطالبوا بالإبقاء على الطائفية. وهكذا يتولى «حراس الطائفية»، الإقامة في اللجنة، من أجل تكريسها.
إن مجرد الاعلان عن نية تشكيل الهيئة، على الزاميته، أقام الطائفيين المتربعين على قطعان، بشرية «لبنانية» ولم يقعدهم. الجنرال ميشال عون يرفض بفذلكة تشبه عتاة الفكر المسيحي الانعزالي. رئيس الحكومة سعد الحريري، يقطع مع «التراث السني»، ويفي بصدق للرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي جمّد مشروع قانون الزواج المدني الاختياري في أدراج مجلس النواب، بعد تصويت الأكثرية الوزارية عليه.. فتح درج النسيان وأقفل على المشروع، بعد استدعاء التحريض الديني والمذهبي، والتهويل بعظائم الأمور و.. «يا غيرة الدين».
يومها، سكت الرئيس الياس الهراوي على مشروعه الحميم، بناء على توصية شديدة اللهجة، من إحدى الدول الحاضنة للطائفية في لبنان.
ولن يشذ «حزب الله» عن التغاضي عن هذا المطلب الدستوري، وسيتصرف، كأن هذه المعركة تجري في بلاد أخرى بعيدة، خصوصاً أنه استقر في حيثية وثيقته، بقبول «التنوع الطائفي»... و«نحن محكومون بان نعيش معاً»... وهذا هو لبنان، كمعطى تاريخي طائفي. وعليه، سيكون تعاطيه على قاعدة «ابعدوا عني هذه الكأس».
إذا كان الرئيس نبيه سيخطب ود «الاجماع الطائفي» للسير في مشروع تشكيل الهيئة، فإن هذه الخطبة لن تؤدي إلى عقد قران مع الوطن والدولة والدستور والمؤسسات، بل ستفضي إلى طلاق كامل مع المواطن واستبداله بفعل زنى طائفي، يستولد لنا عقماً وطنياً مستداماً.
كي نتفاءل قليلاً.. أو، كي نستعيد أملاً ضئيلاً، بامكانية حصول خرق، بحجم ثقب الإبرة، في بنية الطائفية السميكة.. أو، كي نضرب موعداً، ولو بعيداً جداً، مع السلم الأهلي.. او نطمئن، ولو بعد جيل أو جيلين، ان حروبا أهلية/ طائفية لن تقع، وأن أولادنا لن يكونوا كالدجاج في القن السياسي الطائفي، وأن هذا اللبنان المخلّع المتهاوي المحتاج إلى عكازات عربية واقليمية ودولية، كي يبقى واقفا على قدميه، فلا يسقط نهائياً... كي يحصل لنا كل ذلك، ولو بالمخيلة، فإن من واجبات الرئيس بري، أن يفسح المجال، ليس إلى تسوية «اجماعية» مستحيلة، لتشكيل «الهيئة» بل إلى فتح معركة طويلة وقاسية، مع «حراس الطائفية»، الموزعين بالتساوي بين الطوائف اللبنانية المفترسة.
وعليه، يلزم التحديد والتأكيد على ما يلي:
أولا: هذه هيئة لإلغاء الطائفية السياسية حتماً.. لذا:
ثانيا: على الهيئة ان تتألف، من اللاطائفيين أساساً، وأن يكون حضور الطائفيين فيها، استئناساً. والمهادنة مع الطائفيين نحر للهيئة ونهاية لها.. لذا:
ثالثا: على الهيئة أن تكون مقيّدة بزمن غير مفتوح: عامان كافيان، لعملية البدء بتخطي الطائفية والغائها، إذ ماذا يمنع أن تبدأ الورشة، بإقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي، كما نص الطائف، وانشاء مجلس شيوخ.
رابعا: اطلاق حملة اعلامية واسعة، والمباشرة بحوارات جادة، بعيدة عن لغة «حراس الطوائف والطائفية» أكانوا زعامات مدنية أم زعامات دينية. ان لغة هؤلاء، هي لغة خشبية وأفكارهم خشبية، ومواقعهم خشبية... والأخطر، ان قلوبهم خشبية.. لذا هذه الطائفية المستفحلة، بحاجة إلى تجهيز نعش واسع لها. ولن يقوم أحد من «حراس الهيكل» بدق مسمار واحد في خشبها، لأنهم يعرفون جيداً، أن مكان اقامتهم، سيكون في نعش، يحيط به مواطنون، في غاية الفرح والحبور والغبطة.. والشكر.
إذا لم يحصل ذلك، فإن نعوشاً كثيرة، ستقلنا إلى أبديتنا اللبنانية، وسيحف بنعوشنا، زعماء طوائف وقادة سياسة ورجال دين ينتمون جميعهم، إلى سلالات من أرومات صقلية ازدهرت فيها عائلات المافيوزو وآل كابوني.

السفير، 16 كانون الثاني 2010