مصادرة الاراضي الفلسطينية وتجريفها‬‎
احمد .. 9 سنوات , وطفولة عَمدها الحصار

الثلاثاء، 11 أغسطس 2009

مأزق اليسار وعباءة البيك

خالد صاغية

الأخبار عدد الثلاثاء ١١ آب ٢٠٠٩


يبدو أنّ خطوة وليد جنبلاط الأخيرة لم تحدث تغييرات في الوضع السياسي العام وحسب، بل أصابت أيضاً القوى اليسارية التي بدأ النقاش داخلها بشأن الانعطافة اليساريّة للبيك. وقد دغدغ البعض حلم إعادة إنشاء الحركة الوطنيّة، ما دام رئيسها السابق الذي ورثها عن والده مستعدّاً لإعادة تحمّل مسؤوليّة ميراثه. لكنّ اليسار الذي فضحته الحرب الأهليّة، وعرّته مرحلة السلم الأهلي، وكادت تدفنه الانتخابات الأخيرة، يبدو في مأزق أعمق من قدرة أيّ خطوة ارتجاليّة على إعادة إحيائه، وذلك لأسباب عديدة، هذا بعضها:
ـــــ لم ينجز اليسار أي عملية تقويم لتجربة الحركة الوطنية. لا بل يصرّ كثير من اليساريّين على اعتبار البرنامج المرحلي للحركة لا يزال صالحاً للتطبيق اليوم. وحتّى حين لا يعلنون ذلك صراحةً، فإنّ خطابهم لا يشذّ عن كونه مقتطفات عشوائيّة من ذاك البرنامج.
ـــــ لا يملك اليسار أيّ تصوّر لعمله في نظام طائفيّ. ولا تزال الرؤية اليساريّة لهذا الموضوع تتأرجح بين حدّين خطرين. الحدّ الأوّل يعدّ الجماهير مضلّلة سيأتي يوم تصحو فيه من وعيها المزيّف فتنصرف إلى النضال الطبقي الذي يعوقه الآن الوعي الطائفي. وينصرف أصحاب هذا الرأي، بدورهم، إلى انتظار ذاك اليوم المجيد بفارغ الصبر. أمّا الحدّ الثاني، فيضع المسائل الطبقيّة جانباً، ملخّصاً العمل اليساري بالتبشير بالعلمانيّة، وغالباً ما تكون علمانيّة من النوع المتخيَّل الذي لا وجود له حتّى في البلدان التي عُقدت فيها تلك الصفقة بين الدولة والكنيسة.
ـــــ تورّط اليسار في أنماط تفكير وتبنّي مصطلحات أصبحت نتائجها الكارثيّة واضحة على الفئات التي يفترََض أنّه يدافع عن مصالحها، لكنّه لا يزال يجد صعوبةً في التخلّي عن خطابه القديم. خُذ التنمية مثلاً. هذه مفردة لا تزال ترد على لسان اليساريّين كما لو أنّها زبدة النضال، فيما غالباً ما ارتكبت جرائم بحق المستوى المعيشي لعامّة الناس باسم المشاريع التنمويّة.
ـــــ عدّ اليساريّون أنفسهم روّاد الحداثة، وفي الوقت نفسه رأس حربة النضال ضدّ الاستعمار والإمبرياليّة. وهذه وصفة لا يتمنّاها المرء لأحد، بعد التحوّلات التاريخيّة التي بدأت تظهر منذ السبعينيات. ولم تكن الصدفة وحدها ما رمى نصف اليساريّين في حضن الليبراليّة، ونصفهم الآخر في حضن الإسلاميّين، وخصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتراجع الأحلام الأمميّة، تماماً كما لم تكن الصدفة هي التي جعلت اليسار اللبناني موزّعاً بين 8 و14 آذار.
إنّ المزاوجة بين العجز عن إنتاج فهم للواقع ولغة لتغييره، والعجز عن النضال السياسي اليومي، وصلت إلى مداها الأقصى. وهذا قعر لا تفيد للخروج منه أيّ عباءة، حتّى ولو كانت عباءة بيك.