مصادرة الاراضي الفلسطينية وتجريفها‬‎
احمد .. 9 سنوات , وطفولة عَمدها الحصار

السبت، 28 يناير 2006

ألا رحمة بالمزارع... وفي سبيل حسم الجدال حول لبنانيتها

ألبير فرحات

مسألة مزارع شبعا، مسألة تكاد في نظرنا ان <<تقتل بحثاً>> في حين ان الحقائق التاريخية الخاصة بها، والقضايا التي تتعلق بها من زاوية القانون الدولي العام واضحة ولا تحتاج الى اي بحث. وسوف نتناول فيما يلي بعض القضايا التي اثارها الاستاذ ضاهر في مقال تحت عنوان: <<تدقيق في الوقائع وملاحظات حول فكر حزب الله>> (السفير بتاريخ 2/1/2006)

اولا في ان الحدود مرسمة وان وثائق ترسيمها قد أودعت عصبة الأمم: بتاريخ 23 كانون الاول 1920 تمّ توقيع اتفاق بين دولتي الانتداب، فرنسا وبريطانيا حول تنظيم شؤون الحدود والمياه وسكك الحديد. وبموجب هذا الاتفاق بدأت لجنة ترسيم الحدود عملها على الأرض، وكان على رأسها من الجانب الفرنسي المقدم بوليه paulet ومن الجانب البريطاني المقدم نيو كومب New comb ، ونتيجة اعمالها وقع الضابطان المذكوران في 3 شباط 1922 وثيقة ترسيم الحدود التي حملت العنوان التالي: <<التقرير الختامي لتثبيت الحدود بين لبنان الكبير وسوريا من جهة، وفلسطين من جهة اخرى، ومن البحر المتوسط حتى الحمة (وادي اليرموك السفلي) تطبيقا لتوصيات البندين الاول والثاني من اتفاقية باريس الموقعة في 23 كانون الاول 1920>>.

ولقد تضمن الاتفاق المذكور تحديد (71) نقطة فصل، (38) منها في الحدود اللبنانية الفلسطينية، اي من النقطة رقم (1) حتى (38)، والباقي، اي من النقطة (39) الى النقطة (71) في الحدود السورية الفلسطينية. وقد ارفق هذا الاتفاق بخريطة. وفي 7 آذار 1923، وبعد تبادل المذكرات بين سفارة بريطانيا العظمى في باريس ووزارة الخارجية الفرنسية، أُبرمت اتفاقية بوليه نيو كومب واصبح الترسيم الذي قامت به بين البحر المتوسط والحمة معمولاً به ابتداء من 10 آذار 1923، وعلى اثر ذلك أودع هذا الاتفاق عصبة الامم المتحدة مع الخرائط المرفقة به (لطفاً مراجعة: اتفاقية الهدنة اللبنانية الاسرائيلية لعام 1949 رياض شفيق شيا، دار النهار، 2003، ص 102 103).

ثانياً في ان اسرائيل قد اقرت في اتفاقية الهدنة بحدود لبنان الدولية التي تضم مزارع شبعا، وفي ان الخرائط الملحقة بهذه الاتفاقية قد اودعت منظمة الأمم المتحدة: يجب القول في البداية ان النص الذي تضمنته اتفاقية الهدنة، والمتعلق بالحدود الدولية اللبنانية في الجنوب لم يرد في متنها بصورة عرضية، بل جاء نتيجة سعي دؤوب من قبل المفاوض اللبناني كما أكد ذلك السفير محمد علي حمادة، رئيس الدائرة السياسية في وزارة الخارجية اللبنانية والمستشار القانوني للوفد اللبناني الى مفاوضات الهدنة الذي رافق عملية المفاوضة والتوقيع (لطفا مراجعة عادل مالك، <<من رودس الى جينيف>>، دار النهار للنشر، 1974، ص 134). وبهذا الصدد يذكر د. عصام خليفة في كتابه لبنان، الحدود والمياه (1916 1975) بيروت 1996، ص 81) ما يلي: <<... فان العودة الى محاضر جلسات التوقيع على اتفاقية الهدنة (23 آذار 1949)، توضح حرص المفاوض اللبناني على ان يتضمن الاتفاق مادة صريحة لا لبس فيها، تدل على الاعتراف بالحدود السياسية. المعترف بها دولياً، وقد احتدم الجدال حول هذه النقطة، مما أطال الجلسات عدة ايام، بعدما كان المفروض ان يتم الاتفاق والتوقيع في جلسة واحدة، وبالفعل جاء في المادة الخامسة: <<أ يجب ان يتبع خط الهدنة الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين...>>. واذا عدنا الى الكتاب القيّم الذي وضعه العميد المتقاعد رياض شيا، فإنه يتبين انه: <<وبعد توقيع اتفاقية الهدنة في 23 آذار 1949 عقدت لجنة مراقبة الهدنة اللبنانية الاسرائيلية المشتركة المشكلة، سندا لتلك الاتفاقية عددا من الاجتماعات برئاسة رئيس اركان لجنة الهدنة، او مساعده، كممثل للامم المتحدة وأجرت مسحا جديدا للحدود هو نفسه ترسيم بوليه نيو كومب، او اعادت احياء نقاط الحدود ال 38، ووضعت نقاط فصل ثانوية ووسيطة فيما بينها. وبلغ العدد الاجمالي لنقاط الفصل الثانوية والوسيطة 143 نقطة>> وذلك استنادا منه الى ملف الحدود الجنوبية، قيادة الجيش اللبناني مديرية التوجيه، ص: 36. وهكذا فإنه يتبين ان حدود لبنان الجنوبية قائمة منذ ما قبل نشوء دولة اسرائيل، وهي معترف بها من قبل منظمة الامم المتحدة، وان الوثائق الخاصة بها مودعة لدى هذه المنظمة (المرجع السابق، شيّا، ص 104).

ثالثا في ان سوريا لم تحتل المزارع وفي أن اسرائيل قضمتها تدريجياً بعد حرب 1967: نستشهد هنا، حرفيا، بما اورده مصدر دبلوماسي لبناني ردا على سؤال ل <<الوكالة الوطنية للاعلام>>، والذي ادلى بالمعطيات الآتية (<<النهار>> 18/3/2005): 1 ان مزارع شبعا لم تحتلها سوريا عام 1957، بل ان خلافا حدوديا وقع هناك على ملكية بعض العقارات التي لا تتجاوز مساحتها 0,675 كليومتر مربع من اصل 32 كيلومترا مربعا هي مساحة المزارع، ولم يطلب الرئيس (السوري آنذاك أديب) الشيشكلي تأليف لجنة لبت النزاع، بل كانت اللجنة قائمة اصلا، وعملت على حل النزاع. 2 ان العدو الاسرائيلي لم يدخل مزارع شبعا ابان حرب عام 1967 اذ لم يكن فيها موقع عسكري سوري واحد. وعندما صرح الرئيس الشهيد رشيد كرامي ان لبنان غير معني بالقرار 242، فإنه كان يقول ما يطابق الواقع، فالقرار صدر وتوقف اطلاق النار ولم تكن المزارع قد احتلت. 3 ان احتلال المزارع لم يكن في معركة عسكرية، بل كان قضما اسرائيليا للارض بدأ بعد شهرين من وقف النار وبقفزات قصيرة كانت المنطقة تحت سيطرة المقاومة الفلسطينية وفي عام 1969 وجّه وزير الخارجية اللبناني يوسف سالم مذكرة الى الوسيط الدولي غونار يارينغ يبلغه فيها تمسك لبنان باتفاق الهدنة وعدم اعترافه بأي عمل يناقضها. كما ان لبنان لا يطالب بالمزارع فحسب بل بمرتفعات كفرشوبا التي لا نزاع مع احد على لبنانيتها، او على تاريخ احتلالها وهو احتلال بدأ عام 1969 واستكمل عام 1978 وقد دخلت قوة الامم المتحدة <<اليونيفيل>> الى هذه المنطقة والى جزء كبير من المزارع عام 1978، ولكن اسرائيل اخرجتها، ولم تكن المزارع يوما بعد ذلك او قبله محلا لتمركز <<الاوندوف>> (القوة الدولية لمراقبة الهدنة). 4 ان لبنان طالب في مؤتمر مدريد بتحرير ارضه بموجب القرار 425 الذي ينص على الانسحاب من كل الارض من دون تمييز في تاريخ الاحتلال، ثم اعلن موافقته على السلام الشامل تطبيقا للقرار 242 فلا يكون قد تنازل عن ارضه في مدريد او قبل مدريد. 5 ان الامم المتحدة لم تنكر لبنانية مزارع شبعا في حقبة التحقق من الانسحاب الاسرائيلي، بل اعتبرت ان الامر يندرج تحت القرار 242 والقرار 383، لان قوة <<الاوندوف>> هي صاحبة الصلاحية العملانية، وهو موقف رفضه لبنان، ودعمته فيه سوريا التي أكدت بوضوح كلي، لبنانية المزارع من دون لبس>>.

رابعا في ان حدود لبنان معينة بالدستور: يتجاهل البعض ان حدود لبنان محددة في الدستور الذي تنص مادته الاولى: <<... جنوبا: حدود قضائي صور ومرجعيون الجنوبية الحالية>>. الحدود معروفة وتقع مزارع شبعا ومرتفعات كفرشوبا ضمنها ولا يجوز التذرع بموقف أحد لكي يقوم لبناني بإنكار هويتها تحت اية ذريعة كانت، خصوصا اذا كان كل ما في الامر هو ذريعة. لنفترض ان سوريا انكرت لبنانيتها (وهو ما لم تفعله) في هذه الحالة نقول لها <<بلطي البحر!>>. واذا كان هناك موظفون لبنانيون ارسلوا خرائط مغلوطة فالواجب هو محاسبتهم قضائيا ومسلكيا. واذا كان رئيس الجمهورية قد بعث برسائل غامضة في الموضوع فلتجر محاسبته بالخيانة العظمى، اما اولئك الأوغاد من موظفي الامم المتحدة الذين ينطقون عن هوى، وعما يوحي به اليهم جون بولتون فإنهم غير جديرين بالرد. ويدلي الاستاذ ضاهر في مقاله بما يفهم منه ان الهدنة تنهي حال الحرب وتحل محلها حال العداء ليقول لحزب الله ان <<الاجماع اللبناني على العداء (؟) لا يستتبع بالضرورة موافقتهم على الانتقال الى حال الحرب عن غير ارادتهم>>. لقد كانت هذه المسألة موضع سجال عربي اسرائيلي لدى التوقيع على اتفاقيات الهدنة الاربع، وقد عكس <<شبطاي روزين>> عضو الوفد الاسرائيلي الذي وقع اتفاقية الهدنة اللبنانية الاسرائيلية الرأي الاسرائيلي القائل بان تلك الاتفاقيات قد انهت حال الحرب بينها وبين العرب وذلك في كتابه عن تلك الاتفاقيات، بهدف اعطاء المشروعية التي تبحث عنها اسرائيل لقيامها ولحدودها، وقد قوبل هذا الادعاء الاسرائيلي برفض عربي شامل وبنقد لاذع من فقهاء القانون الدولي غير العرب. اما قول الاستاذ ضاهر بفقدان عمليات المقاومة الاسلامية لمشروعيتها <<تبعاً لوقوع منطقة المزارع ضمن الاراضي السورية المحتلة في نظر القانون الدولي>> فانه قول مستغرب لا يقول به الاسرائيليون حتى. كل ما في الامر ان هناك في الامم المتحدة من يعتبر ان مزارع شبعا ليست مشمولة بالقرار 425 بل بالقرار 242 لاعتبارات تتعلق، حسب هذا البعض بتاريخ احتلالها. علما بان القرار الرقم 242 لا يشير لا من قريب ولا من بعيد الى ملكية الاراضي المطلوب ان تنسحب منها اسرائيل (الى ما كانت عليه في 4 حزيران 1967) باعتبار ان هذه الاراضي ليست كلها سورية، بل ان البعض منها هي اراضٍ فلسطينية احتلتها سوريا عام 1948. وفي مكان آخر يدلي الاستاذ ضاهر بان اللبنانيين يجمعون على ان <<اسرائيل عدو بلدهم، وهذا ما صرّح به سماحة السيد عطفاً على تصريح الدكتور سمير جعجع الواضح>>. ونحن اذا كنا نرحب بهذا الموقف الجديد الذي اتخذه الدكتور جعجع من اسرائيل إلا اننا لا نستطيع ان نوافق على ان هناك اجماعا لبنانيا حول هذا الموضوع. يكفي الرجوع الى البيانات شبه اليومية التي تصدرها هيئات <<محترمة>> تنعى على حزب الله <<اعمال العدوان التي يمارسها ضد الجيران>>. اما الموضوعة القائلة بان <<لبنان لن يكون الا آخر الموقعين>> فانها غير جديرة بالاحترام اطلاقاً، لان معناها الوحيد في الظروف اللبنانية والاقليمية والدولية الحاضرة هو ان <<الشطارة>> اللبنانية تنتظر (والبعض على لهفة) توقيع آخر العرب الممانعين حالياً على السلام الاميركي الاسرائيلي الآتي... لكي يوقع لبنان الذي يكون والحالة هذه جباناً مرتين مرة لعدم اخذه موقف التصدي للعدوان الاسرائيلي، ومرة ثانية لعدم توقيعه اتفاق سلام مع اسرائيل يضمن المصالح الوطنية اللبنانية اذا ما سنحت فرصة لذلك بحسب رأي <<المعتدلين>> اللبنانيين... الا بعد ان يوقع الغير.

ما نريد ان نقوله هو: رفقا بمزارع شبعا! اذا كانت توجد مواقف معارضة لبقاء سلاح حزب الله ولاستمرار المقاومة فليقل اصحاب هذا الرأي رأيهم دون المساس بلبنانية مزارع شبعا. فالمسألة في رأينا يمكن ان تتعدى الملاحظات على الستراتيجية والتكتيك اللذين يجب الاخذ بهما للوصول الى ذلك الهدف السامي/ متى تتطلب الهجوم، ومتى تتطلب التراجع/ ما هو دور كل طرف من الاطراف/ وكيف يجب ان تكون هناك <<ورقة مشتركة>> في وجه العدو بدلا من ان يستخدم كل منا الآخر ك<<ورقة>> في يده، ويكون لبنان الورقة الأكثر ضعفا لاسباب عديدة لدى الغير، ولكن ايضا بسبب مواقف التخاذل او التبعية التي ينتهجها هؤلاء او اولئك منا. ان الذين اطلقوا جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الاسرائيلي من قلب بيروت، ودحروا العدو عنها، ولاحقوه حتى التخوم، اولئك الذين يطرحون على انفسهم اليوم اعادة احياء تلك الجبهة لكي تؤدي قسطها في مقاومة الغزو والاحتلال والحفاظ على الكيان اللبناني، بكافة وسائل النضال الجماهيري السياسي والدبلوماسي والعسكري الى جانب سائر القوى المعادية لسياسات الهيمنة والاغتصاب الاميركية الاسرائيلية ان هؤلاء ومن معهمم من وطنيين وديمقراطيين في هذا البلد هم الاكثر جدارة لتوجيه السؤال والنقد الى المقاومة الاسلامية بدءاً بالسؤال عن مدى مسؤوليتها عن تلك السيرورة التي أدت الى خنق المقاومة الوطنية على يد <<الحلفاء>> و<<الأشقاء>>، وعن مدى استعدادها لفتح صفحة جديدة في العلاقة. ذلك، لان مهمة التصدي للعدوان وللاطماع التوسعية الاسرائيلية ليست مهمة سوف تنتهي اليوم او غدا او بعد غد، لإدراكنا بعدم وجود إمكانية في الظروف الاقليمية والدولية الحاضرة لسلم عادل في المنطقة. وبدون تسوية عادلة فلا سلم دائما حتى لو وقعت جميع الدول العربية معاهدات صلح مع اسرائيل بالشروط المطروحة اميركيا. ان التصدي لهذه المهمات يتطلب تعبئة واسعة لجميع القوى الوطنية اللبنانية، ولكن ليس على قاعدة مفهوم عبد الحليم خدام عن <<الطوائف الوطنية>> و<<الطوائف غير الوطنية>> ولا عن مفهوم 14 آذار حول <<الطوائف السيادية>> و<<الطوائف غير السيادية>>.

ليست هناك تعليقات: