مصادرة الاراضي الفلسطينية وتجريفها‬‎
احمد .. 9 سنوات , وطفولة عَمدها الحصار

الخميس، 9 فبراير 2006

من سليمان رمضان الى سمير القنطار


ضفدع. هو عيدية سليمان لسمير في الذكرى الثانية لبقائه وحيداً في المعتقل الاسرائيلي بعد تحرير الآخرين. إنه الضفدع الذي ما زال سليمان يحدو له كل ليلة لينام هنيئا ملء وطنيته. يرعاه. يكرمه. يسرده <<لكل من يريد ان ينسى القضية التي بترت رجله اليمنى>> في مستشفى رامبام في تل ابيب اثر اعتقاله اثناء عملية لجبهة المقاومة الوطنية في عام 1985 ثم سرقت خمسة عشر عاما من عمره في معتقل الخيام حتى جاء التحرير فأطلقها. الضفدع الذي <<اخترعه كل الاسرى وغفوا هانئين على قصته على اسفلت زنازينهم في المعتقل>>. هو الضفدع الذي عمّر وطناً له على ضفة نهر وربّى زهوره وطحالبه مليا. واذ مر صياد دعس على وطنه فتبعثر ثم اكمل فدعس عليه ومزق أمعاءه فصاح الضفدع: <<آخ يا وطني>> فجاوبه الصياد: <<بئس وطن يمزق الأمعاء>>. وسليمان كما يقول <<هو الضفدع الذي ما زال يتحسر على وطنه وعلى سمير الذي ما زال يعمّر وطنه ويربي زهوره مليا ليوم لا بد آت>>

حدث اخيرا انه قبل اسبوع تماما سمح سليمان لأحد برؤيته والحديث معه. حدث هذا كما يقول <<فقط ليسلمنا عيدية سمير>> ثم يذوي الى اعتكافه من جديد في ضيعته التي لا يغادرها الا للضرورة القصوى. حدث هذا ايضا لأنه استحصل قبل اسبوع تماما على عمل في كافيتيريا مستشفى الامل الجامعي في بعلبك. فصار لسليمان انتماء جديد لطالما ركله عصاه الذي يسبق خطاه. حتى صارت هذه الكافيتيريا الصغيرة كل يومه ومجتمعه وناسه اذ يفتحها منذ السابعة صباحا حتى الواحدة ليلا. بالنسبة له لا بأس اذ انه العمل الاول الذي يقبل سليمان منذ خروجه من المعتقل. الاعوام الخمس التي مضت الى الآن يستذكرها سليمان على مضض اكثر بكثير من الاعوام الخمسة عشر التي قضاها معتقلا. يقول سليمان ان اطرافا عدة عرضت عليه مناصب ووظائف لقاء تعديلات يدخلها على ثوابته ومعتقداته فاختار دوما عدم المساومة. لذا بالفعل لم يتغير. بل يهمه ان يؤكد لكل رفاق الجبهة الذين لم يروه منذ اعتكافه انه ما زال <<عقلاته صعبين وبعده مصدق الثورة والقضية والنضال>>

يذكر كبير الجلادين في الخيام الذي <<اخبره ان الشيوعية انهارت فقال انه لم ينهر>>. ما زال شيوعيا كما كان منذ اكثر من عشرين سنة. لذا لم يعد لديه <<مكان بين الرفاق والقياديين في الحزب ولم تعد له بيروت>> كما يقول. فقط تغير فيه وزنه الذي زاد والطرف الاصطناعي الذي ركّبه قبل اربع سنوات والعصا التي لا تفارقه مثل عائلته التي كبرت حتى اتسعت لزوجته سامية وأطفاله الثلاثة نينيل وخالد وآمال

لم يعد سليمان يتابع الاخبار او يقرأ الجرائد منذ ان بدأ <<قرفه>> بعد اختباره الحرية التي حلم بها. لكنه يطمئن دوما على سمير. على ما يقوله في رسائله ومواقفه. يطمئن ويحزن لأجله. بل يعذر ما فيه سمير. اذ يذكر انه عندما كان في المعتقل كان يلتقي برفاق يعتقلون للمرة الثانية فيقولون له ولا يصدقهم ان <<الحرية في الخارج التي يتفانون من اجلها ليست كما يعتقدون بل اسوأ بكثير>>. سمير الآن مثله آنذاك <<لن يصدق ان الحلم لا يسعه إلا المعتقل ما دام فيه>>. لكنه يأسف ان سمير انزلق الى جوقة الرد والرد على الرد. <<ليست السياسة لسمير الثابت لأن ليس لها صديق او عدو دائمين بل مصلحة دائمة>>

اكثر ما علق بذاكرة سليمان من معتقل الخيام كانت مصافحة رابين وعرفات. <<فكم سيعلق بذاكرة سمير المسكين من هناك ومن هنا؟>>. لذا يتحضر سليمان للنزول الى بيروت لاستقبال سمير يوم خروجه. في ذلك اليوم يقول انه قد يرى البلد بأمه وأبيه يستقبل سمير في المطار وقد لا يرى الا امه في انتظاره. <<لان هذا مرهون بالظرف الراهن حينها الذي يحدد مصلحة الناس لاستقباله ام نسيانه>>. لكن سليمان على الاقل بانتظار سمير مع ابنائه الذين يعرفون ان فلسطين عربية حرة وأن اباهم ولد يوم انطلاق الثورة الفلسطينية منذ سنتهم الاولى. سيحزن كثيرا لأجله <<عندما يعرف ان لا وطنية وشرف الا في الزنازين حيث كان>>. ويتمنى <<لو انه يصدق منذ الآن فلا يصدم ثم يعتكف بعد خروجه>> كما فعل هو

لم يبق لسليمان رفاق او حزب او ارث سوى الثوابت التي اجبرته احيانا <<لأن يأكل من لحمه على ان يساوم على تاريخه>>. بقي معه القليل الوافي ليستحق استقبال سمير في حريته. بقي سليمان مع الضفدع الذي تخلى عنه رفاق الاسر في حريتهم. عيدية سمير في عيد الحرية

ليست هناك تعليقات: