مصادرة الاراضي الفلسطينية وتجريفها‬‎
احمد .. 9 سنوات , وطفولة عَمدها الحصار

الاثنين، 12 ديسمبر 2005

عن فقراء هذا البلد الذين ماتوا بلا سبب

لكل منهم قصة ولكل قصة نهاية سوداء: عن فقراء هذا البلد الذين ماتوا بلا سبب

آمال خليل

رمانة في عين الشياح

المحبة عمياء بين مملكتي عين الرمانة والشياح. فاذا طلبت من سائق التاكسي مثلا ايصالك الى الشياح قد تجدك في عين الرمانة والعكس صحيح. وهما من فرط <<المونة>> يتبادلان الاسماء والخدمات والحضارات. فلا تغرّك هذه الطريق الحدودية الفاصلة. طريق صيدا القديمة. ولا يغرك الحرس المرابض على الجبهات المتقابلة. إنهم حرس المحبة المتضخمة التي تشعر احيانا كأنها انقلبت حقدا لكنك اذا بحثت فيها تجد انها خوف قاتل على بعضهم البعض. بين ضفتي طريق صيدا القديمة شعب واحد بسبع أرواح وعقليات وعادات مختلفة وقلب كبير كبير. فلا يغرك ما حدث بينهما اثر اقرار العفو عن سمير جعجع. كان شكلا آخر للمحبة. هل هي مشكلة إذا <<تسلل شباب عين الرمانة المبتهجين بالتسلل الى الشارع الرئيسي في الشياح واستفزاز الاهالي بصورهم وكحولهم ومفرقعاتهم>>؟ بحسب أهالي الشياح. فالأهالي لبعضهم البعض. أهالي الشياح صوتوا للعفو عن عين الرمانة. هل هي مشكلة إذا اشتبكا محبة بالسلاح والحجرة. أو هي مشكلة إذا لم تتقبل كل من الضفتين اختها <<الى أبد الآبدين>>. لا مشكلة. كما لا مشكلة أبداً اذا مات بلال سيف الدين. كان واقفا <<على جنب>> في أثناء الاشتباك بين من تيسر من شباب الشياح وشباب عين الرمانة، واذ برصاصة تصيبه في رقبته. مات. مع أنه لم يكن من المعتدين او من المدافعين عن المعتدى عليهم وإنما هو الذي مات. لعله أخذ المبادرة ومات. اذ لا بد في هذه المواقف من أن يفتدى بمسكين يموت. كلهم، في الضفتين، يأسفون لموت بلال. لكنه مات. أعزل اليدين بلا سلاح او حجر او مفرقعة. بالكاد علم بما يحصل من حوله. على كل حال لا يهم ان مات ما دام كل من في الشياح الآن يحمدون حكمة الشباب والقيادة التي ضبطت النفوس و<<منعت وقوع مذابح>>. أما بالنسبة إلى طفليه الصغيرين والثالث المنتظر وصوله وأمهم لا بأس. سيدبرون حالهم. المهم أن حكمة القيادة وقتذاك برهنت عن <<الانفتاح وتقبل الآخر والوحدة الوطنية>> فعضت على الجرح وقدّم بلال حياته لأجل لبنان. لكن كيف سيكبر اطفال بلال الثلاثة؟ إلى أي وحدة وطنية سينتمون؟ عندما يكبرون، هل سينبرون للصلح بين المملكتين؟ أم سيتركون في الضفة الأخرى الكثير من بلال. <<شباب الحجارة>> في الشياح و<<شباب المفرقعات>> في عين الرمانة الذين لا يُعرف لأي منهم اسم أو وجه خلال التحقيق الجاري، لا يقلون تعتيرا عن بلال. يتمنون لو تسألهم عن بطالتهم المستفحلة. عن وطنهم الذي ضاع منهم مرة اخرى في ساحة الشهداء او رياض الصلح. عن عشقهم للبنان وحلمهم بالهجرة. معترين لكن بلال هو المعتر الذي مات. فمن ذا الذي يريد أن يعرف الحقيقة. <<من قتل بلال سيف الدين؟>>. أقله لأجل طريق صيدا

القديمة

مبتهجاً ممدداً على الأرض

علي حتى الآن لا يشعر بالندم. لم يكن عليه ان يفعل شيئا. هو ورفاقه كانوا معذورين بالصدمة حينها. كانوا بسطاء نواياهم صافية. يحتفلون فقط بإعادة انتخاب رئيسهم رئيسا للجميع. واذ هم امام جثة على الارض تلاقي موتها وحدها. لم يقترب أي منهم من الجثة. نزفت حتى الموت بعدما مازحتها رصاصة مبتهجة اصابت الكتف الايسر ونزلت مباشرة الى شريان القلب الرئيسي. فاضطرت الا تبتهج معها بل تموت. كانوا كثرا في ابتهاجهم. يعرفون بعضهم جيدا. علي ورفاقه اخوة في تنظيم واحد. لذا هم مجبورون بنخوة وانسانية واحدة تجاه بعضهم. فمن هذه الجثة؟ ليست منهم. بقيت غريبة على الارض. لكنها ليست مجهولة. هي أيضا لها اسمها وناسها وحزبها و... ربها. هي جثة علي عبد الله الذي سلك طريقه اليومي عائدا من عمله في كافيتيريا في منطقة الاوزاعي الى منزله في بئر حسن. كان عليه أن يغير طريقه في ذلك اليوم، حين صار هناك طريق للمبتهجين. بعد ساعة وصل الخبر الى فتيانه، مصطفى وحسين ومحمد. ابوهم مصاب في قدمه. لكنه بلا رمق. وقفوا معترين في عجزهم امام دمه وامام المبتهجين الذين ارخوا سلاحهم قليلا رأفة بالضحية. زاد من تعتير الضحية أنها سقطت على ارضها بنيران صديقة. فلو سقطت على ارض اخرى او بنيران عدوة كان ذلك ليكون <<أسهل لذويها>>. فيحملونها شهيدة لبنان او فداء للوحدة الوطنية. ما عساهم يفعلون الآن؟ هل يجب عليهم أن يطالبوا <<بحق الميت ويبعثرون البيت المرتب>>!. لا... هؤلاء العقلاء سيسكتون ولن يخالفوا المصلحة العليا. <<في كل الأحوال، المغدور راح>>. راح، تاركا وراءه ستة مغدورين وامهم بلا معيل او سند او تعويض. صار عليهم الآن ان يعدّلوا طفولتهم ومراهقتهم. الصبيان الاربعة سيضطرون للبحث سريعا عن عمل. <<اي عمل لصبية بلا شهادات علمية>>. مصطفى وحسين ومحمد عليهم ان يؤجلوا انكسارهم. ان ينسوا صورة ابيهم الحزين المظلوم على قارعة طريق مبسوط. لا وقت ليحزنوا. حزب ابيهم <<قام مشكورا باللازم في واجب العزاء>>. وها قد انتهى العزاء وانفض الناس الى ايامهم وحزبه الى ساحاته. لن ينتظروا شيئا آخر. فمسارهم واضح. سيعيدون ترتيب جلوسهم جيدا في صف الشعب المسكين وسيكدحون طويلا. الآن، كفت عيون الناس عنهم ورويدا رويدا ستكف شفقتهم ايضا. ابناؤه جميعا لن يقولوا شيئا لنا. <<الحزن لهم والفقد لهم>>. وما للآخرين؟ صفاء ابنته عندما كانت تقرأ قبلا في الصحيفة عن شخص كأبيها دفع حياته ثمنا رخيصا لشيء ارخص، كانت تقول يا حرام والله يساعد اهله ثم تقلب الصفحة. <<الناس جميعا الآن صاروا مكانها بيدهم الصحيفة وهي واخوتها وابوها صاروا الصفحة التي يهم الناس بقلبها>>

الدماء الرخيصة في حي السلم

إنه موقف حي السلم. حيث الحياة تدور مع دورة الفانات حول ساحته. انه هواء حي السلم المازوتي. انهم شباب حي السلم الخمسة. ابطال المواجهات مع الجيش. هل تذكرونهم؟ اولئك الخمسة الذين ثاروا في انتفاضتهم مثلنا لكن قبلنا جميعا في السابع والعشرين من ايار من السنة الماضية. ثاروا لأجل وحدة أمعائهم الخاوية. ولم يكتفوا بالثورة بل ماتوا. معترين فاتهم الكثير. فاتتهم الثورة العادلة التي تجاوزت حرمان حيهم. لم ينعموا بالهواء الذي تيسر لسمير جعجع. قرينهم في الظلم والحرمان. لم يتيسر لهم إلا هواء اسود مازوتيا. كل اهالي حي السلم يعيشون على الفانات والفانات تعيش على المازوت <<فإذا مُنع نموت>>. وها قد منع. لم يكن أمامهم سوى قتل هذا الموت الآتي من كل النواحي باتجاههم. اختاروا أن يموتوا لأجل لبنان صغير بحجم حيهم الفقير المحروم. زكريا أمهز وعلي خرفان وحسام ياغي وخضر الشريف وحسن شرارة. ماتوا لكن الحي بقي محروما. <<ماتوا بخسارة>>. عباس امهز شقيق زكريا حمله شهيدا على يديه لاجل لقمة الناس. لأكمل دورة فان المازوت عن اخيه. كان زكريا المعيل الوحيد لتسعة اشخاص يسابق المسافات يوميا في فانه على خط حي السلم المطار ليوصل بشرا معترين مثله بخمسمئة ليرة لبنانية. وعباس من بعده يدور مع طواحين الهواء وينتظر حرمانا اكثر وحسرة اكبر على أخ راح <<عالفاضي>>. لا سيما بعدما رقد الأب في الفراش اثر جلطة اقعدته بعد موت زكريا. لا زال الجيش <<يذكرهم بالخير>>. حواجز منع المازوت تلاحق لقمة عيشهم التي يلاحقونها. <<التشديد يخنقهم>>. حتى لم يعد بامكانهم التحرك سوى في اماكن ضيقة. ظل كل شيء في مكانه. المحرومون لا زالوا في حرمانهم. الهواء المازوتي في رئاتهم. شبان عاطلون عن العمل باقون في أزقتهم. أما زكريا ورفاقه فلقد *ماتوا جياعا لأجل لقمة الناس الذين لم يشبعوا وإنما أسفوا لموتهم *لأجلنا، ع الفاضي

2005 جريدة السفير

ليست هناك تعليقات: