مصادرة الاراضي الفلسطينية وتجريفها‬‎
احمد .. 9 سنوات , وطفولة عَمدها الحصار

الاثنين، 12 ديسمبر 2005

<<علي بابا>> نيو أورليانز

ضحى شمس

من منكم لا يذكر الأيام الأولى لسقوط بغداد على يد جيش الاحتلال الأميركي؟ من يعود إلى تلك الفترة في الصحف سيعثر على صورة <<سلّيبة>> بغداد، أي حراميتها، كالصورة الرمز لسقوط المدينة. لقد شهدت تلك الأيام، التي كان يتابعها مئات الملايين في العالم على شاشات مئات قنوات التلفزة والصحف بعشرات اللغات، العراقيين ينهبون مدينتهم بغداد، وكأنهم غزاتها لا سكانها. كان المشهد جارحاً للعراقيين أولاً، كما سمعت منهم لدى زيارة بغداد بعيد سقوطها، وبسببه كانت ردة فعلهم اتجاه الفضائيات العربية الوافدة إليهم، الرفض لأنها، بحسبهم، سيئة النية وكاذبة. وكان المشهد جارحاً للمشاهدين العرب أيضاً لأنه وقع علينا وقوع الإذلال ورؤية الشقيق العراقي يذل، إضافة إلى انتهاكه بالاحتلال والقتل. كانت الصور الحية تؤدي دوراً تعزيزياً لما صارت عليه صورة العربي النمطية في العالم، <<بفضل>> ماكينات الإعلام <<المتعاطفة>> مع مراكز القرار الغربي: الإرهابي، الوسخ، قليل الأخلاق، المتخلف، الجشع... الخ. شيء يشبه صورة اليهودي النمطية التي استولدها... الغرب نفسه، وكانت السبب في الفظائع التي تعرض لها يهود أوروبا من قبل مواطنيهم في فرنسا وألمانيا وبريطانيا خصوصاً. شيء يشبه تماماً المفردات التي <<يشرح>> بها معجم <<ويبستر>> معنى كلمة <<عربي>>، حسب ما كتبت الزميلة سحر بعاصيري في <<النهار>>. كان العالم كله ينظر إلى هؤلاء العراقيين العرب ينهبون مدينتهم، غير مبالين بالكاميرات المنصوبة، وكأنهم لا يعرفون أصلاً ما هو اختراع الكاميرا.

ومع ذلك، كان من الممكن أن نبتلع تلك المشاهد الفظيعة كتغطية مهنية طبيعية، جارحة لمشاعرنا لكنها... الحقيقة على مرارتها وألمها، لولا تفصيل غير بسيط: لقد استمر عرض صور الحرامية لأكثر من 48 ساعة متوالية على شاشات التلفزيونات الرئيسية العالمية. أي أن المساحة الزمنية التي خصصت لهذا الحدث، والزمن التلفزيوني مرتفع السعر كما يعلم المعلنون، والمساحة الجغرافية للمشاهدين نظراً لعدد الشاشات الضخم الذي كان ينقل الصور، كانت <<تحويرية>>. أي أن المبالغة في التركيز عليها استولدت منها معنى قوياً، أكبر من حجم الخبر، لجهة تضخيم وترسيخ المشهد في أذهان مشاهديه. كانت الكاميرات <<صافنة>> على مشهد نهب بغداد لأكثر من 48 ساعة. وكالعادة، تبع الإعلام العربي، الذي كان مرتبكاً تبعاً لارتباكاته الأيديولوجية والمهنية، خيارات الشاشات الغربية. كان هناك زخم في متابعة صورة واحدة في معناها المتكرر، في حين كان مراسلو العالم ينبشون من تاريخ بغداد، مدينة ألف ليلة وليلة، كلمة واحدة لوصف <<السليبة>> أي الحرامية، <<عبقرية>> في رمزيتها هي: علي بابا.

بعد أكثر من عامين على سقوط بغداد، تضرب كارثة طبيعية اسمها الإعصار <<كاترينا>>، مدينة نيو أورليانز الأميركية، فتنكب الملايين وتقتل بالآلاف، وإذ بخبر تتناقلة الشاشات والصحف: أعمال السلب والنهب في المدينة التي هدم أكثر من 90 في المئة من مبانيها، على قدم وساق. نترقب المشهد على الشاشات الغربية والعربية، نرى القليل على <<سي إن إن>>، كذلك على بعض الشاشات العربية والفرنسية. لكن الخبر، ومع أنه كان بصدد التفاقم، بدليل انتشار قوات الشرطة لمنع <<علي بابا>> نيو أورليانز من ارتكاب جرائم إضافية تعدت السرقة إلى القتل من أجل السرقة، كانت مساحته تتضاءل على الشاشات... وهذا طبيعي.

نعم، طبيعي. لا بل إن هذا هو الطبيعي. لم تلغ الشاشات الجوانب الأخرى للحدث. سلّطت الضوء على معاناة الناس، على مفاصل النكبة الفظيعة، تصرفت الكاميرات <<بمواطنية>> عالية، خجلت من صور <<السلّيبة>>. نقلتها، لكنها لم تحدق فيها، ولم تدع العالم يحدق فيها طوال 48 ساعة. ما الذي نريد قوله؟ نريد القول إن النهب بعد المعارك أو النكبات ثابت عبر التاريخ، مثله مثل معرفتنا أن الفئران هي أول من يترك السفينة التي تغرق، وهذه المعلومة هي جزء من <<علم>> الكوارث على أنواعها. في التاسع من نيسان 2003 كان <<علي بابا>> عراقياً، وفي الثلاثين من آب 2005 كان أميركياً. الفارق أن الكاميرات مكثت أمام الأميركي وقتاً أقل بكثير. وفي هذا السلوك الكثير من التعاطف. أما لماذا لم يكن هذا التعاطف موجوداً مع العراقيين؟ فسؤال كبير جداً، ربما لا تكون أبسط أجوبته عنصرية غربية، تربح يوماً بعد يوم أرضاً أوسع في أوساط الإعلام الغربي، اتجاه <<عربي>> ساهمت هي شخصياً في تنميط صورته وتعميمها. لم يسرق العراقيون بعضهم البعض كما فعل الأميركيون. سرقوا المؤسسات الحكومية والدوائر الرسمية. ربما كان لذلك معنى؟

2005 جريدة السفير

ليست هناك تعليقات: